الخميس، 7 أبريل 2011

أجندات حقيقية


أجندات حقيقية


بقلم حسام شلش
لا الكنتاكي بالطبع و لا الدولارات و لا اليورو و لا الين الياباني ،وليست الأجندات الخارجية هي الجواسيس الذين كانوا يرصدون المظاهرات وتطور الأوضاع علي الأرض في ثورة 25يناير شأنهم في ذلك شأن أي مراسل صحفي من أي قناة كانت تقوم بعملها المهني .
ومن البديهي أن ننشغل تماماً بالشأن الداخلي لمصر الآن ، و الشأن الداخلي لمصر الآن هو إعادة بناء مصر بدولتها ومؤسساتها و شعبها ،و إعادة البناء أو التكوين هذه ليست شأن محلي مصري خالصاً للأسف!
ففي حوار ( نعوم تشومسكي ) المفكر الأمريكي الأبرز مع إيمي جود مان بخصوص الشأن المصري بعد الثورة صرح بما يلي "حتي الآن تتبع الولايات المتحدة كتاب خطط اللعب المعتاد ، كانت هناك اوقات كثيرة يفقد فيها ديكتاتور ما يحضي بتأيدها السيطرة – فالقاعدة إستمر في دعمه اطول فترة ممكنه ، ثم عندما يصبح الأمر غير محتمل – غير موقفك180درجة و ازعم انك كنت مؤيداً للشعب طوال الوقت ، وأمحي الماضي ، ثم قم بأي خطوات ممكنه لإستعادة النظام القديم تحت اسماء جديدة، وهذا قد ينجح أو يفشل حسب الظروف "
وهذا يعني بوضوح أن مصلحة أمريكا أن تكون طرفاً اساسيا في اي ثورة مضادة .و الحقيقة أن الدور الأمريكي أبعد من ذلك فهي لم تنتظر بالطبع حتي اللحظات الأخيرة لنظام مبارك و أنما سبق ذلك عمل دؤوب .
فالأجندة الأولي للولايات المتحدة في اخر سنوات النظام السابق كان هذا النص من نظرية الإحتواء المزدوج و هي الأستراتيجية الأمريكية المعمول بها في الشرق الأوسط و العالم من وقت كلينتون و حتي الأن و التي تقول :
1- تحقيق توازن بين القوي المعنية .
و المقصود به رفع مستوي قوة منظمات العمل المدني علي حساب إضعاف ديكتاتورية السلطة ، و قد حدث ذلك في مصر بالضغط علي مبارك من إدارة بوش لتعديل المادة 76 و الذي سمح بوجود أكثر من مرشح رئاسي وهو نوع من تسييل السلطة ، و دعمت الطيف المدني في مصر بكل الأشكال المادية و المعنوية .
2- إحداث انشقاقات و إنقسامات و استغلال التوترات في الدول المستهدفة .
وهو ما شهدته مصر من انقسام لحزب الوفد ،و الغد ،و الجبهة الديمقراطية ، و العمل ، و الأخوان المسلمين "و قد اشتد الأن،و الأنقسام المسيحي بين البابا شنوده و الأب مكسيموس و أقباط المهجر ،و القضاء إنقسم إلي قضاء حكومي و معارض و مستقل – بل حتي الحركات المدنية كحركة كفاية و جبهة التغيير الوطني انفجرت من الداخل .
ولقد تمكنت الولايات المتحدة من ذلك عبر طابورهم الخامس في مصر و الذي تمثل في قيادات بعض الدوائر السياسية العليا و الأجهزة التنفيذية في مصر منهم علي سبيل المثال صفوت الشريف و فتحي سرور و كمال الشذلي و يوسف والي و جمال مبارك – و علي المستوي التنفيذي أحمد نظيف ووزرائه و بعض رجال الأعمال المسيسيين وصولاً إلي حبيب العدلي ،وبعض رجال الأعمال المستقلين
حيث امنت الدوائر السياسية العليا دعماً امريكيا مطلقاً لها كما كانوا يظنون – و التفتيت المتعمد للأحزاب و الحركات السياسية و المدنية و الذي كانت تقوم به الدوائر السياسية العليا و الأجهزة التنفيذية كان يفهم علي أنه إضعاف للقوة المناوئة للرئيس و الحكومة و الحزب الوطني ، و التفتيت يعزز سياق الفوضي وهو الذي تراهن عليه امريكا في مقابل البناء الذي نحتاجه بشدة الأن.
الأجندة الثانية
كانت إعادة هيكلة المجتمع المصري و تحويله لنمط استهلاكي والذي يقوم علي نظام رأسمالي شرس لا تراعي فيه العدالة الأجتماعية
ويتضح هذا الهدف من النص التالي من ملحق نظرية الأحتواء المزدوج .
" تشجيع الرأس مالية طرقها السرية المتمثلة في خلق طبقة وسطي غير سياسية وغير مستعدة لتقديم تضحيات ، أو تعزيز نفوس كبار رجال الأعمال من خلال التجارة مما يؤدي لخلق مراكز نفوذ بديلة "
و ما سبق هو الإتحاد المصري الأمريكي لرجال الأعمال و الذي كان يرأسه جمال مبارك ، وهو لجنة السياسات ، وهو رجال الأعمال الوزراء و الذين اقنعوا الرئيس السابق بأن يأخذ إبنه فرصته ولا يحرم من حكم مصر لمجرد أنه إبن الرئيس ، وهو ميل الأغلبية الصامته إلي الأستقرار سريعاً و عدم تقديم اي تضحيات اضافية من أجل الثورة و التغيير .
و الحقيقة أن المهمة الأبرز لهذه الحكومة كانت الوصول بالشعب المصري إلي أشد حالات الإحتقان بممارساتها البشعه في إفقار الشعب و سحق مطالبه و تكريس الثروة في يدها ثم يأتي دور الأجنده الثالثة (و ارجوا أن لا أفهم خطئ) و التي كانت  تأثر شباب الثورة بثقافة الثورات السلمية ، أو ثورات اللا عنف و هو تأثر مشروع
وهو منهج (جين شارب ) الفكري الذي تأثر به شباب الثورة في مصر أشد التأثير ، وهو ايضا من قالت عنه الواشنطن بوست " كانت كتاباته العملية عن الثورة السلمية ، و ابرزها كتاب                  (من الديكتاتورية إلي الديمقراطية) مصدر الهام للمعارضين حول العالم خاصة في بورما و استونيا و زيمبابوي ومصر وتونس ......     و البقية تأتي ، وهو المسؤل عن إحداث ثورات من ليتوانيا الي العراق و بعض بلاد اوروبا الشرقية كما ذكرت صحيفة النيوزويك"
و عندما سعي المركزالدولي للصراع السلمي في القاهرة الي اقامة ورشة عمل قبل عدة سنوات ، كان من بين الأوراق التي وزعها ماكتبه جين شارب عن (198) وسيلة للعمل السلمي ، وهي قائمة تبدأ من الأضراب عن الطعام و الأحتجاجات  وحتي الكشف عن هويات العملاء السريين ، وبينما اعتبرشارب الثورة  التي خلعت الرئيس مبارك علامة علي التشجيع إلا أنه قال أن شعب مصر من فعلها وليس هو " .
و شباب إئتلاف  الثورة الآن يعدون كورس لنشره علي الإنترنت مدته 36 ساعة وهو منتخب من كتب جين شارب الخمسة المترجمة إلي العربية  و ما حدث في الثورة هو أن مظاهرات و إحتجاجات هؤلاء الشباب السلمية كانت الشرارة المتكررة التي التقطها احتقان الشعب المصري بفعل ممارسات حكومة نظيف الأجندة فأنفجرت الثورة ، لتشكل لحظة من السيولة إما أن تستغلها مصر لصالحها كما حدث في الأرجنتين و شيلي و غيرها من الدول ، و إما أن تستغلها أمريكا لصالحها كما حدث في دول اوروبا الشرقية و بعض دول الإتحاد السوفيتي السابق التي لاتزال عالقة في فوضي مدنية حتي الأن.
و ليست الإستراتيجية الأمريكية قدراً محتوماً ، و الجيد بالنسبة لمصر أن الله أتي بالثورة في توقيت لا يتوقعونه ، كانوا يتوقعون قيام الثورة بعد تولي جمال مبارك للسلطة بحماية رجال الإقتصاد  كبديل عن حماية الجيش للسلطة حيث تطيح به الثورة ثم بمن يأتي بعده و هكذا حتي يجمدوا هذه السيولة في شكل يخدم مصالحهم أو تستمر هذه السيولة وهو شكل يخدم مصالحهم ايضا .
هذه الثورة المبكرة كشفت للوعي المصري أن تغيير رأس السلطة ليس هو المهم بل المهم  هو تغيير بنية الدولة بكاملها وهي عملية بناء تخشاها امريكا .
و ارجو ان تكون المفاجئة الثانية ان تستغل مصر هذه السيولة لصالحها ونشكل مصر جديدة كما نريددها نحن و ليس كما يريدوها هم و ارجو أن لا يكون الصراع الخطر في المرحلة المقبلة هو بين الجيش كقوة تشرف علي انتقال السلطة سلميا و اعادة بناء مصر      و بين رجال أمريكا في الإقتصاد المصري ، و هذا الإقتصاد هو البناء الذي ينبغي أن يكون معنا في المرحلة المقبلة كأساس لعملية البناء .
ولعل السؤال الأبرز ما الذي ستستفيده امريكا من ثورات كالتي في مصرو بعض البلدان  العربية أكثر من الأنظمة السابقة و التي تعد حليفا نموذجيا للولايات المتحدة ؟
الإجابة ان التحكم في تشكيل الحكومات السائلة الجديدة سيكون كاملاً ، واحتياجها للدعم الأمريكي سيكون اقوي بكثير و من ثم تتحقق المصالح الأستراتيجية و الإقتصادية تحققاً كاملاً .
يقول تشومسكي ايضا " أن امريكا لا تخشي من الأصولية الإسلامية في مصر و لكنها تخشي ان تستقل مصر بقرارهاو في سياق الإستقلال بالقرارتسعي ايران و تركيا وبعض دول امريكا اللاتينية الي موقف دولي موحد ضد الهيمنه الأمريكية و حسناً فعلت وزارة الخارجية المصرية بإعلانها أن إيران دولة صديقة و لا مانع لديها من أي اتصال من حزب الله  و حسناً فعلت الحكومة المصرية بتوجهها الي السودان في اول زيارة خارجية لها ، و لكن الأهم ان تتظافر القوي الوطنية كلها لتعزيز هذه الإرادة و بخاصة القوي الإقتصادية المتمثلة في المستثمرين و رجال الأعمال و ان لا يفرح الفرقاء السياسيين في مصر بالفتات الأمريكي الداعم لكل الأطراف  حتي تبقي علي مسافة واحدة من الجميع .
 و في سبيل الإرادة المستقلة تبني الأوطان كما بنت تركيا و ماليزيا و البرازيل و الأرجنتين و شيلي و غيرها .
فالخبيث في هذه المساعدة المغشوشه من امريكا انها تقدم الوسيلة السحرية للتخلص من الديكتاتوريات و لا تقدم وسائل و آليات لبناء الأوطان بعد انهيار الديكتاتوريات و تراهن علي الفوضي التي ستلجئ للأعتماد الكلي عليها ، علي كل الأحوال بناء مصر هو مسئولية المصريين وحدهم، اليس كذلك ؟

0 التعليقات:

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More